بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين
يا صاحب الحوض كم للناس من أمل *** في ورده يوم تسقي منه كل ظمي
لواءك الحمد يوم الدين ترفعه *** يمناك يا سعد من تلقاه بالدعم
أنت الشفيع لنا في يوم شدتنا *** تقوم وحدك كل الرسل لم تقم
يقول كل نبي من تهيبه نفسي *** فتسجد للرحمن من أمم
تقول أنت لها يدعوك خالقنا *** اشفع تشفع هنا للخلق كلهم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته *** يوم الزحام من الأهوال والنقم
أنت الكريم الذي عمت مكارمه *** كل الخلائق من عرب ومن عجم
ايها الاخوة المسلمون …موضوعنا اليوم عن ” تعظيم شعائر الله “
ان تعظيم شعائر الله: هو إجلالها في المشاعر والقلوب، وأداؤها برغبةٍ ومحبةٍ وشغفٍ
عباد الله: إن تعظيم الحرمات يعود بالخير على المسلم من كل جهة قال جل وعلا: (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ)[الحج: 30]، وتعظم حرمات الله وشعائره دالّ على تقوى القلوب قال الله: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32]، وخص القلب؛ لأن التعظيم مبدؤه من القلب.
وشعائر الله تحيط حياتنا كلَّها …أسماء الله، صفات الله، كتب الله، أنبياء الله، مساجد الله، أولياء الله…
” كل ما يمت للإسلام بصلة”
الله الله في المحافظة على شعائر السلام دخولاً وخروجاً واستئذاناً، وزيارة، لنبقى مسلمين، وهذه قضايا تطول وتطول….
.وهي متنوعة ومتعددة:
منها الشعائر الزمانيَّة:
كشهر رمضان، شهر عظَّمه الله، أرسل فيه رسله، أنزل فيه كتبه، وأمرنا بتعظيمه؛ ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾
العشر الأوائل من ذي الحجة؛ يقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحب إلى الله – عز وجل – من هذه الأيام)
والاشهر الحرم: منها اربعة حرم …..فلا تظلموا فيهن أنفسكم
يومنا هذا يوم الجمعة؛ جاء في “صحيح مسلم” قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((خير يومٍ طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خُلق آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة)).
ثم هناك الشعائر المكانيَّة:
.كالمسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى:
{وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود} [البقرة:125]. وقال تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود}
.ومن الشعائر المكانيَّة – أيضاً – كل بيوت الله:
ففي الحديث القدسي: “إن بيوتي في أرضي المساجد، وإن زُوَّاري فيها عُمَّارها، فطوبى لعبد تطهَّر في بيته، ثم زارني في بيتي”
. ومن شعائر الله كل أمر فيه طاعة لله؛ من صلاة وزكاة وصوم وحج، وكل عمل صالح…
عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ: إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ, وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ, وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ))
فالقرآن مقدَّس، وكتب السنة مقدَّسة، وكتب العلم الشرعي مقدسة، ومن يعمل بالعلم الشرعي مقدَّس، وبيوت الله مقدسة، أمر الله مقدس، ونهيه مقدس…
أيها المؤمنون: إن حدود الله هي محارمه، ولقد حذر الله -جل وعلا- من تعدي حدوده، وأمر بالوقوف عليها كما قال سبحانه: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا) [البقرة: 187]، وقال (ِتلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا)[البقرة: 229]، وأخبر سبحانه أن متعدِّ الحدودِ ظالمٌ لنفسه بتعريضها لعذاب الله فقال (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)[الطلاق: 1]، وهدد –سبحانه- متعدي الحدود بالنار فقال: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) [النساء: 14].
معاشر المسلمين: إن مما حدا بي إلى هذه الخطبة هو ما نراه من حال المسلمين اليوم من قلة تعظيم شعائر الله وحرماته
وجميعنا قد سمع بتلك الحادثة التي تدل على انتهاك الحرمات والاعتداء على المقدسات… باسم الحرية
نعم فالاسلام جاء لتحرير العقول وتحرير الاجسام … لكن حريتك هذه تنتهي عند حرية الاخرين…
وفي الحقيقة لا نستغرب أن يحدث هذا سواء من أعدائنا لكن العجب كل العجب ان يحدث ذلك في بلاد المسلمين ومن أبناء الاسلام بفهمهم الخاطئ … خصوصا في اكبر بلد مسلم على وجه الارض..ولذلك لابد من وقفة حاسمة ومراجعة لمواقفنا وتربيتنا وجهودنا نحو مجتمعنا لئلا تتكرر مثل هذه المواقف المسيئة لحياة النبي الكريم.
ياسيدى يارسول الله آلمنا *** أن قام غر بدار الكفر عاداك
وغيره قام فى حقد وفى صلف *** بالزور والظلم والعدوان آذاك
هذا وذاك يرومان الدمار لنا *** لاتبق يارب لاهذا ولاذاك
كنا أعز عباد الله قاطبة *** كناأجل الورى لما أطعناك
لكن عالمنا ياويح عالمنا قد *** ضيعوا فى زمان الضعف مسراك
يامن أسأت برسم فى مشفعنا *** شلت مدى الدهر والتاريخ كفاك
كيف اجترأت على خير الورى *** سفها قد بؤت بالخزى ظلاَّما وأفاكا
إن الرسول لنور الكون أجمعه *** لكن تعامت عن الأنوار عيناكا
.فراية النبي ولواء النبي لم يستخدمه في قتل الناس بل لنشر الخير ونجاة الناس من الظلمات الى النور ودفع الظلم عن المظلومين ونصرتهم …بل كانت وصية المصطفى صلى الله عليه وسلم لا تقتلوا طفلا ولا شيخا ولا عجوزا ولا امرأة ولا عابدا في صومعته ولا تهدموا معبدا او كنيسة ولا تقطعوا شجرا ولا تحقرقوا ارضا ولا تذبحوا حيوانا … واذا ذبحتم فاحسنوا الى ذبيحتكم … ولا تكرهوا احدا على الدخول في الاسلام … فتلك الراية التي نشرت الخير والنور في كل اركان الدنيا … فليس معنى ان بعض القتلة والمنحرفين استخدمها ان نكرهها او نقطعها او نحرقها… فهل يا ترى اذا اخطا رجل اندونيسي نحرق علم إندونيسيا او نحرق عمامة إندونيسيا كلا والله ..فكل نفس بما كسبت رهينة …
وانظر لبعض المسلمين في احترامهم للقرآن وكيفية تعاملهم معه، فمنهم من يمد رجليه للقرآن في المسجد، أو يجعله خلف ظهره، وانظر إليه في البيوت تجد المصاحف مع الكتب والمجلات مختلطة على الطاولة، وعلى الأرض، وممزقة، ومكتوب عليها، وكأنها كتب دراسية فحسب.
بل انظر للمسلمين في أطهر البقاع مكة والمدينة، يصلون ثم يبدءون بالتصوير والانشغال بذلك عن ما بُنيت له المساجد، فهل هذا من تعظيم شعائر الله؟!
وانظر لحال البعض عندما يقع في شرب المسكر والدخان، وحلق اللحية وهلم جرا، يقع فيها المسلم، ولا تهتز فيه شعره تعظيمًا لأمر الله أو نهيه، وفي الجانب الآخر الاستهانة بالسنن، وكأنها من نافلة القول، فالسنة عند البعض، هي الأمور غير المهمة للأسف…
واقول لهؤلاء ما قاله سيدنا أنس بن مالك:
“إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الموبقات يعني من المهلكات والعياذ بالله”.
عباد الله: لعل سائلاً يسأل كيف السبيل إلى تعظيم حرمات الله وتعظيم قدر الله، فأقول إن الجواب سهلٌ بينٌ وهو أن نتعرف على الله بمعرفة أسمائه و،صفاته سواء أكان ذلك بالحديث عن صفاته سبحانه , أو الحديث عن خلقه عز وجل وآياته أو بالحديث عن إعجاز كتابه أو غير ذلك , أو بكثرة ذكره عز وجل , أو باللجوء إليه والدعاء له والتبتل على بابه وغير ذلك مما سبق بسطه , ولنا في حديث النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس أنموذجا واضحا ..” ياغلام : إحفظ الله يحفظك , احفظ الله تجده تجاهك ..” الترمذي .
كذلك يا اخواني بمعرفة اوصاف النبي وسيرته وهديه وطريقته، ثم نقرأ في سِيَر السلف، وكيف كانوا يعظّمون الحرمات
فهذه السيدة عائشة تخبر عن حال النبي وقت انتهاك حرمات الله وشعائره قائلة: “والله ما انتقم رسول الله لنفسه في شيء يؤتى إليه، إلا أن تُنتهك حرمات الله، فينتقم لله”
فمعرفة هذا كله ينير قلب المسلم ويستبصر الطريق، فما أكثر المتخبطين على جنباته، أعاذنا الله وإياكم من ذلك
ويهمنا – بصورة منهجية – أن نفرد لتدبر الحكم والمعاني العبودية في الشعائر , وتدريسها , وبيان الإعجاز فيها , ومواطن الأثر الإيماني فيها
.والتعرف على المناهج المنحرفة , والتحذير منها , وبيان مواطن انحرافها , خصوصا تلك التي تسخر من الشعائر وتنتهك الحرمات , يأتي كضرورة ملحة في هذا المجال , بحيث يعلم الابناء من أيت تأتي المشكلات والانحرافات عن الطريق المستقيم
كذلك من المهم نشر ثقافة الأدب مع الحرمات , واستغلال وسائل الإعلام المختلفة في ذلك , وعقد الندوات والمؤتمرات والمحاضرات والفعاليات المختلفة للحديث عنها والتحذير من انتقاصها .
.نزل إبراهيم بن أدهم إلى السوق وهو مسرفٌ على نفسه فوجد ورقة قرطاس ملقاة على الأرض وقد كُتب فيها اسم الله تبارك وتعالى والناس يطؤونها بأقدامهم، وهم داخلون إلى السوق وخارجون ما يعلمون، فأخذ القرطاس، فنظر فإذا اسم الله فيه فبكى، وقال: سبحان الله يُهان اسمك هنا؟ لا والله، فرفع هذه الورقة وذهب بها وطيبها ورفعها في بيته، فلما أمسى سمع هاتفاً – وهذا ثابت عنه – يقول: يا مَنْ طيَّب اسم الله وعظَّم اسم الله ليعظمنَّ الله اسمك..
• لا ترفع صوتك فوق كلام النبي ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾
.لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا…
فالشاهد يا عباد الله: تعظيم حُرمات الله في المجالس… في مجالسنا، في اجتماعاتنا، وفي مكاتبنا وفي مدارسنا. هناك كلمات تهوي بصاحبها في النار سبعين خريفً، يطلقها قائلها بلا اعتبار، يستهزئ بالإسلام، يستهزئ بالرسول صلى الله عليه وسلم يستهزئ بالسنة الخالدة، يستهزئ بالدعاة والدعوة، وما علم أنه بذلك يستهزئ برب العالمين سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾
.ولكنه النفاق: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ﴾ [المنافقون: 4]. ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ﴾ [البقرة: 8 – 10]. وفي قلوبهم مرض، ما دخل النور قلوبهم ما دخل الإيمان قلوبهم: ﴿ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ ﴾ [البقرة: 10 – 11]، لا تفسدوا في إعلامنا وصحفنا، لا تفسدوا في كتبنا ومصنفاتنا، لا تفسدوا عقول أبنائنا وبناتنا، لا تفسدوا في عقائدنا وتاريخنا، لا تفسدوا في دوائرنا ومدارسنا: ﴿ قَالُواْ إِنَّمَا نَحن مصلحون)
.نحن أهل التطور، وأهل التقدم، نحن نعارض الرجعية، وهم الرجعيون المتخلفون المتأخرون: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء ﴾
: ﴿ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ)
أعاذنا الله واياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن
ربنا لا تؤاخذنا ولا تهلكنا بما فعل السفهاء منا ان هي الا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء انت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وانت خير الغافرين…
(خطبة الجمعة ١٧ صفر ١٤٤٠ م / ٢٦ أكتوبر ٢٠١٨ م، ألقاها مبعوث الأزهر الشريف مصر فضيلة الشيخ أحمد عصام عبد الجيد التمادي في جامع دار النجاح بوقور جاوة الغربية)
Tidak ada komentar:
Posting Komentar